جائزة الدوحة للكتاب العربي…تكرّم عشرة من كبار المفكرين العرب في نسختها التأسيسية

يعد الكتاب الناقل الأول للثقافة والتراث، والحافظ الرئيس للإبداع العلمي والمعرفي للشعوب، كما أنه من الأدوات الأساسية للتواصل الفكري بين الأمم، فضلا عن أهميته في الحفاظ على اللغة وتطويرها. ومن هذا المنطلق أطلقت دولة قطر، يوم الثالث من مارس الماضي، الحفل التأسيسي ل”جائزة الدوحة للكتاب العربي” برعاية سامية من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله. وشهدت الدورة التأسيسية تكريما لعشرة من كبار المفكرين الناطقين باللغة العربية، الذين أفنوا عمرًا طويلاً في مجال العلوم الإنسانية والإنتاج المعرفي. وضمت القائمة، اللغوي المتخصص في البلاغة العربية وتاريخها الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى من جمهورية مصر، والفيلسوف المغربي طه عبدالرحمن، والمحقق والمؤرخ الجزائري الدكتور ناصر الدين سعيدوني، والمفكر المتخصص في الفلسقة والفكر العربي جيرار جهاني من لبنان، وأستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أيمن فؤاد سيد من جمهورية مصر، والمؤرخ القطري الدكتور مصطفى عقيل الخطيب، والأستاذ الدكتور المتخصص في الدراسات القرآنية غانم قدوري الحمد من العراق، والباحثة في التاريخ الشفهي الفلسطيني الناقدة فيحاء عبدالهادي من فلسطين، والمفكر المتخصص في النقد الثقافي الأستاذ سعد البازعي من المملكة العربية السعودية، إضافة إلى أستاذ الفقه المقارن والتمويل الإسلامي الفقيه قطب مصطفى سانو من غينيا.

مسارات وشهادات

سبق موعد إطلاق الحفل التأسيسي للجائزة ندوة صباحية بعنوان “حياة للعلم: مسارات وشهادات”، جمعت الفائزين في النسخة الأولى بالجائزة، وتضمنت الندوة جلستين، ألقى فيها كل من الأساتذة المكرّمين كلمة حول رحلتهم العلمية وعلاقتهم بالكتاب. واستهل الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى الجلسة الأولى بخطابه حول حياته الفكرية وإنتاجه العلمي قائلا “ثم إنني كنت وما زلت أرى أن قصر الكتب والمعرفة على المتخصصين، وترك سواد الأمة الأعظم بمعزل عن العلم والكتاب، ليس هو الطريق الأفضل، وأننا نهمل كتلة كبيرة من أجيالنا، والأمة لا تنهض إلا بكل أبنائها، ورأيت من أوائلنا من كتب كتبا جليلة للأمة كلها، مثل كتاب “عيون الأخبار” و”العقد الفريد” وزهر الآداب”، فكتبت عن هذه الكتب التي تخاطب كل طبقات الأمة، ويرى فيها العالم ما ينفع” واستفاض من بعده باقي المفكرين حول بدايات حياتهم العلمية وأبرز العوامل التي أثرت في اختيارهم هذا المسلك.

وفي حديث خاص للمرسال مع الدكتور قطب مصطفى سانو، الوزير السابق لجمهورية غينيا، أعرب معاليه عن سعادته بالمشاركة في هذا الحدث ليكون من المكرّمين الأوائل للدفعة التأسيسية لجائزة الدوحة للكتاب قائلا ” بداية ظننت أن اختياري لهذا التكريم قد كان من باب الخطأ، خاصة عندما نظرت إلى لائحة المختارين، إلا أنني حين تأكدت من صحة الدعوة، أيقنت بأنه سيكون يوم تاريخي في حياتي، وسأظل أذكره وأحتفظ به وأعتز بهذه الدولة المباركة”. كما أشار الدكتور قطب مصطفى سانو إلى طيبة العلاقات بين دولة قطر وجمهورية غينيا، لافتا إلى فترة توليه منصب الوزارة والدعم الذي كانت تقدمه دولة قطر لبلاده في تلك الفترة وما زالت، مشيرا بذلك إلى المجهودات التي تقوم بها قطر على الصعيد الإنساني من خلال بعض المؤسسات الخيرية التي تقوم بحفر الآبار، دعم المدارس، بناء المساجد وغيرها من الأعمال الخيرية. وخلال هذا الحديث أكّد الدكتور قطب مصطفى سانو رغبته في اغتنام هذه الفرصة للتوجه بالشكر لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على زيارته لجمهورية غينيا قبل سنوات وتكبّده عناء السفر رغم بعد المسافات ومشقة الطريق، إلا أنها بقيت “زيارة تاريخية نسجلها ونذكرها ونقدرها” حسب تعبير الدكتور.

فتح باب الترشح

وخلال هذا اليوم الحافل، أعلن المستشار الإعلامي للجائزة عبد الرحمن المري فتح باب الترشح انطلاقا من الخامس من المارس الماضي وحتى الخامس من يونيو 2024، وتنقسم الجائزة إلى فئتين هما فئة الكتاب المفرد وفئة الإنجاز على أن يكون العمل المقدَّم يندرج ضمن المجالات المعرفية التي تعلن عنها الجائزة كل سنة، أما هذا العام فأعلنت الإدارة المنظمة للجائزة عن 7 مسارات وهي كالآتي، مسار العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، الدراسات الأدبية واللغوية، الأبحاث التاريخية، الدراسات الاجتماعية والفلسفية، الموسوعات، المعاجم، وتحقيق النصوص.

الحفل التأسيسي

وفي افتتاحية هذا الحفل ألقى الدكتور عبدالواحد العلمي المدير التنفيذي للجائزة كلمته التي أبدى فيها سعادته لعقد مثل هذه المناسبات التي تعيد التواصل بين العلماء والباحثين وتجمع كبار المفكرين، وكل من يهوى العلم والثقافة، لتكون بمثابة مجلس ثقافي يتشارك فيه أصحاب الخبرات خبراتهم، ويناقشون ما يشاؤون من النظريات والأفكار. وقد تركزت أهداف القائمين على هذه الجائزة في أن تكون بمثابة تقدير لجهود العلماء. كما أشار الدكتور عبدالواحد العلمي أن عقد مثل هذه المناسبات ما يدل إلا على سمو ورفعة السياسة الثقافية للدولة وهو ما يؤكد وضعها لاستراتيجية مدروسة للنهوض بالعقول العربية وإعادة إحياء الساحة الثقافية في الوطن العربي. كما ألقت الدكتورة فيحاء عبدالهادي كلمتها باسم جميع المكرّمين تعبيرا عن عظيم امتنانهم وفخرهم بالحصول على هذه الجائزة واصفة إياها ب “الانتصار للثقافة والفكر والكتابة” في زمن يكون في أشد الحاجة إلى التشبث بالثقافة والفكر العربي، التي تمثل السلاح الرئيس الذي يمكّننا من مواجهة مشاكل هذا العصر وتجاوزها و إنتاج المعرفة من أجل إحداث التغيير. كما أشارت الدكتورة فيحاء عبدالهادي إلى تزامن هذا التكريم مع أيام نشهد فيها اعتداءات على البشرية والإرث الثقافي العربي لأهل فلسطين؛ إذ يقوم المحتل الإسرائيلي بتدمير الأرشيفات الفلسطينية في جامعات غزة، وإتلاف آلاف الوثائق التاريخية المهمة في مبنى الأرشيف المركزي بمقر بلدية غزة، وتدمير مركز “رشاد الشوّا الثقافي” الذي شكّل منارة ثقافية متميزة، بالإضافة إلى تدمير مكتبة “ديانا تماري صبّاغ” التي احتوت على عشرات المكتبات وضمت ما يزيد عن مئة ألف كتاب، ومكتبة جامعة “الإسراء” والمتحف الوطني الذي نُهب قبل أن يدمر في نهاية الثامن عشر من شهر يناير، ناهيك عن تدمير مكتبة بلدية غزة وإعدام وحرق محتوياتها التي بلغت عشرة آلاف مجلد بلغات ثلاث هي العربية، الفرنسية، والإنجليزية. واختتمت الدكتورة خطابها بالمقولة الشهيرة “هم يهدمون ونحن نبني”.

اجتماع للعقول العربية

وحضر هذا اليوم عدد من العلماء، والمفكرين، والمثقفين، والمبدعين وكبار الشخصيات من داخل الدولة وخارجها احتفالا بهذا الحدث الجليل، وبهذه المناسبة قال الشاعر محمد عبدالباري لجريدة المرسال “سعيد جدا بحضوري لإطلاق جائزة الدوحة للكتاب العربي، والتي تمثل التفاتة مقدرة لقطاعات مهمة من التأليف  لاتحضى عادة بالتكريم”، كما أشاد الشاعر بحسن اختيار توقيت إطلاق هذه الجائزة، إذ يعاني التأليف باللغة العربية في هذه الفترة حالة حرجة من الانكماش؛ بسبب طغيان الترجمة من جهة، وانصراف الناس عن الكتب والكتاب الجاد خصيصا، وهو ما يدعونا لتقدير هذه المبادرة وتوقع أن تكون إضافة فارقة للكتاب العربي. ومن جهتها ذكرت الدكتورة أمينة الدهري، أستاذة بجامعة الحسن الثاني بالمملكة المغربية، أنها سعيدة بالدعوة التي تلقتها لحضور النسخة الأولى من إطلاق الجائزة، وأشارت إلى أواصر الصداقة الوثيقة والتعاون بين المملكة المغربية ودولة قطر في المجال الثقافي، مشيرة إلى الندوة الدولية التي عُقدت فبراير الماضي بالمغرب تحت عنوان “جسور المعرفة: تأويل الغيرية في الفكر والترجمة” والتي جاءت بالتعاون مع جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي. وفي السياق نفسه أفصحت الدكتورة نيلي أبي نادرة، أستاذة الفلسفة بالجامعة اللبنانية، أن هذه المناسبة تشكل دعما معنويا للباحثين العرب إذ تعزز التواصل الفعال بينهم، وتساعد على خلق بيئة ثقافية يترصد جمهورها لآخر الإنتاجات الفكرية، واصفة هذا اليوم ب “التظاهرة الفكرية الثقافية” التي جمعت عقولا من مختلف الدولة العربية.

وتأسست جائزة الدوحة للكتاب العربي استمرارا من دولة قطر في دعم الإبداع الفكري والعلمي، إذ تحمل الجائزة العديد من المقاصد، تتجلى أبرزها في تشجيع الأفراد والمؤسسات على الإقدام في مجال الإنتاج العلمي والمعرفي، وتكريم الدراسات الجادة والتعريف بها والإشادة بأصحابها، فضلا عن دعم دور النشر الرائدة للارتقاء بجودة الكتاب العربي شكلا ومضمونا. كما تعد هذه الجائزة مبادرة استثنائية تسدد خطى المؤلفين لمواكبة الركب الإنساني للمزيد من البذل والعطاء، ولا تقتصر على مخاطبة العلماء فحسب وإنما تخاطب العلم برمته وتأخذ بيد الناشئين وتشجيعهم.

Related posts

Leave a Comment