فلسطين: بين الأمل والألم

إن ما يحدث الآن في قطاع غزة أمر لا يكاد أن تصدقه العيون وتسمعه الآذان، بل حتى وإن كُتب في كتب التاريخ قد يصعب أن يصدقه أي بشري. فما شاهدناه نحن العرب في هذه الحرب وفي حضرة السكوت لما يحدث من مجازر، ودماء، وجثث بشرية ملقاة على قوارع الطرق تنهشها الحيوانات الضالة لم نستطع أن نحرك ساكنا لها، ولم تستطع بلدانٌ أن تقف في صف الدفاع وتحرك جيوشها من أجل الدفاع عن حق مواطني تلك البلاد، وما يحدث الآن هو أخطر من أن يمر بلا تعليق!

إن المقاوم الفلسطيني الذي ترك منزله وعائلته ليدافع عن حق معيشته شبهته وسائل الإعلام الغربية بالإرهابي، وهو الذي يناضل وينادي بحق المعيشة في بلده المسلوب منذ أكثر من 74 عام. وما تعرضه لنا شاشات التلفاز بدءاً من عملية طوفان الأقصى وحتى الآن من عمليات إطلاق صواريخ من قِبل المحتل والرد عليها من جهة المقاومين لا يقاس بما يحدث ويشعر به الفلسطيني هناك.

في بداية عملية طوفان الأقصى وضعت المقاومة الفلسطينية العالم كله أمام مرأى بداية ” المعركة الكبرى ” لإنهاء الاحتلال الصهيوني، ودعا ” محمد الضيف ” – قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام – الفلسطينين في الضفة الغربية وأراضي 48 المحتلة للإنضمام لهذه الحرب بكل ما يملكون من خلال الاحتجاجات، والاعتصامات، أو من خلال أسلحتهم النارية والبيضاء، كما دعا الشعوب الإسلامية والعربية لدعمهم من خلال الاعتصامات والمظاهرات وكل أشكال الضغط الشعبي، بعد أن خذله رؤوساء العرب.

 وقد أقيمت بالفعل محاولات من خلال جهود قطرية وأخرى مصرية  لفض النزاعات والتوصل لحل ينهي الحرب القائمة في قطاع غزة لإنهاء الكارثة البشرية التي تحدث هناك، ولكن يبدو أن الموقف العربي تجاه هذه القضية في تراجع، إذ بات أضعف من ذي قبل، ولا يتخطى إلا مرحلة ” رفع العتب” بالرغم من أن كل ما يحدث خلف الستار يؤكد لنا أننا أمام مرحلة مفصلية للمنطقة برمتها، وأمام مرحلة مفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهنا يستوجب السؤال! أليست الحرب القائمة في غزة خير دليل على انهيار منظومة بأكملها تسمى الأمة العربية؟

وما يحز في نفس المواطن الفلسطيني أن المواقف التي رأها من الغرب، كجنوب إفريقيا مثلا وتبنيهم لقضية في محكمة العدل الدولية في – لاهاي –  ضد الكيان الصهيوني كانت أقوى بكثير من أي رد لدولة عربية – مسلمة تجاه العدوان الحاصل في قطاع غزة، حيث اكتفت الدول العربية – الإسلامية بتنظيم مظاهرات تناشد “بوقف الحرب على غزة”  وبتقديم مساعدات محدودة –لا تصل للقطاع حتى – ومناشدة إسرائيل لوقف الحرب، بينما في الطرف الآخر وفي بلدان يختلف أصحابها دينيا، وعرقيا، ولغويا عن المواطن الفلسطيني إلا أنها أعدت عدتها للضغط على الكيان الصهيوني وإحراجه سياسيا وقانونيا وعلى الصعيد الدولي، وهنا نذكر موقف – إسبن بارث إيدي – وزير الخارجية للنرويج – الذي أدلى بتصريحات قاسية ضد الكيان الإسرائيلي، والوحيد الذي لم يدعُ لإطلاق سراح الاسرى في غزة وقال: ” إن الدول الأوروبية تفقد مصداقيتها عندما لا تدين اسرائيل كما أدانت من قبل الحكومة الروسية وما شنته من حرب على أوكرانيا”. بالإضافة إلى أن النرويج دعمت جنوب إفريقيا في قضيتها التي رفعتها على إسرائيل في محكمة العدل الدولية. حيث قال – وزير الخارجية النرويجي – إن إسرائيل قد لا تكون اقترفت إبادة جماعية ولكنها ترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تجاه الشعب الفلسطيني.

وعلى الجهة الأخرى، نرى كيفية مساندة المستوطنين لحكومتهم في هذه الحرب، حيث يمكن مشاهدة مجموعة – تساف 9 – التي منعت دخول الشاحنات الإغاثية من معبر – كرم أبو سالم – لقطاع غزة لإدخال المساعدات للفلسطينين، على عكس ما يقوم به أهالي الأسرى من مطالبة لوقف الحرب من أجل عودة أبنائهم الأسرى للمنزل، والمطالبة بعزل نتنياهو بسبب قراراته في هذه الحرب.

وما يحز في قلب كل مسلم هو السؤال ب متى ستنتهي هذه الحرب؟ ومتى سيقف حكام العرب في وجه بيدق المدفعية – الكيان الصهيوني – ؟ وأين العرب من هذا الموقف وأين الحكومات التي بإمكناها وعبر كنزها الحقيقي – النفط والغاز الطبيعي – من إيقاف هذه الحرب القائمة، والضغط على الكيان الصهيوني من أجل وقف الحرب أو على الأقل إدخال المساعدات الإنسانية؟ وما الذي يجري خلف الكواليس ومن الممسك بقبضة إنهاء الحرب؟ فعند مشاهدة الوضع الراهن هناك، نرى أنه يرثى له من الناحية الإنسانية فأبسط حقوق الإنسان لم تُعط للمواطن هناك ولم تلتفت إليه مؤسسات حقوق الإنسان.

وفي النهاية يقولون ” أن الكبار يموتون والصغار ينسون” ولكن لم يعلموا أن الصغار لم ولن ينسوا ما عايشوه وشاهدوه منذ بداية الحرب فهذه المشاهد وهذه الأحداث لا يمكن نسيانها وحتى إن مضى الزمن.

Related posts

Leave a Comment